عام بعد عام، تتناقص مكوّنات المائدة الرمضانية السورية، تبعاً لمضاعفات الأزمة الاقتصادية وغلاء المعيشة، وحدها حلوى “الناعم” الشعبية من الأطباق “الصامدة” جراء ثمنها المنخفض مقارنة مع باقي الحلويات.
و”الناعم” أو “خبز رمضان”، كما يطُلق عليه أيضاً، مزيج من الطحين والماء والزيت بشكل أساسي، يوضع في الزيت المغلي على شكل أرغفة، وما أن تصبح مقرمشة، يتم وضعها جانباً وتزين بدبس العنب أو التمر، الذي يُعطي للطبق نكهته.
وخلال شهر رمضان، يقبل الدمشقيون خصوصاً على شراء الناعم من باعة متجولين يفترشون الأرصفة مع أوانٍ نحاسية كبيرة مليئة بالزيت ويحضّرون هذه الحلويات مباشرة أمامهم.ما أن ينهي عبد الله الحلو (51 عاماً) وعائلته تناول الإفطار في منزلهم في دمشق القديمة، حتى يُسارع لإحضار رغيف الناعم المقرمش، ويتقاسمه مع زوجته وابنتيه.
ويقول لوكالة “فرانس برس”: “مهما كانت الظروف صعبة، يبقى الناعم تقليداً لا يُمكن التخلي عنه في شهر رمضان”.
ويبلغ ثمن رغيف الناعم في أسواق العاصمة حالياً نحو 2500 ليرة سورية (أقل من دولار)، وهو مبلغ يستطيع عبد الله تحمله، مقارنة مع أسعار معظم الحلويات الأخرى، التي يتدرّج فيها سعر الكيلو الواحد من عشرة آلاف ليرة سورية وصولاً إلى خمسين ألفاً (17 دولاراً تقريباً).وكحال عبد الله، اضطرّت عوائل عدة للاستغناء أو تقليل الكثير من أصناف المائدة الرمضانية الأساسية، كاللحوم الحمراء وأطباق الحساء مع الدجاج والحلويات المحشوة بالفستق الحلبي، واستبدلتها بمكوّنات أو أصناف أرخص ثمناً.
ويقول عبد الله، وهو موظف حكومي: “يحبّ الأطفال هذه الحلوى كثيراً، وهذا الأهم”.
في سوق الجزماتية بحي الميدان في دمشق، يعرض أبو طارق (49 عاماً) أكثر من عشرين رغيفاً، ويوضح أن الكمية التي يعدّها يومياً تنفد قبل حلول موعد الإفطار، فالحلويات “أمر أساسي على المائدة الرمضانية والناعم أرخصها وأطيبها”.لكنه يشير في الوقت ذاته الى أن زبائنه هم من الفقراء والأغنياء، فتناول الناعم “عادة في رمضان”.
على بعد أمتار من بسطته، تعرض محلات أخرى بضاعتها من الحلويات العربية التقليدية، المحشوة بالمكسرات والمطهوة بالسمن العربي، والتي تعد فخر الصناعة السورية وتثير شهية كل من يقصد دمشق، إلا أن عدد روادها يتناقص سنوياً بسبب ارتفاع ثمنها.
ويبلغ سعر كيلو البقلاوة المحشوة بالفستق الحلبي نحو أربعين ألف ليرة، والبرازق الشامية نحو عشرين ألف ليرة، أما المعمول فيتراوح ثمن الكيلو بين ثلاثين وخمسين ألف ليرة، أي أكثر بـ15 ضعفاً من سعر الناعم.ويعيش غالبية السوريين اليوم تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، ويعاني 12.4 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، وفق برنامج الأغذية العالمي.
يُنادي أبو طارق بصوت جهوري على منتجاته، ويُعاونه يافعان في عملية التحضير والتزيين، ويقول “الناعم أكلة في متناول يد الجميع، لا نكهة لشهر رمضان من دون تذوّقها”.