Site icon العربي الموحد الإخبارية

أمن الحدود

تعاني دول الاتحاد الأوروبي منذ 2015 حتى الآن أزمة الهجرة، حيث تركت تأثيراً في المواطنين الذين بدأوا يشعرون بالقلق من الأعداد المتزايدة للمهاجرين، ودعموا فرض قيود على الحدود بشكل رادع، رغم التداعيات السلبية على الفارين من النزاعات والحروب. يسعى هذا الكتاب إلى طرح سياسات بديلة تقلل من المخاوف الأوروبية، وتعزز الجانب الإنساني، ويدعو إلى التعوّد على العيش مع الغرباء وسط الأزمات الراهنة.

الصورة

منذ ذروة ما يسمى ب «أزمة الهجرة» في أوروبا لعام 2015، كانت الاستجابة الحكومية المهيمنة هي التحول إلى أمن الحدود الرادع عبر البحر الأبيض المتوسط وإنشاء جدران حدودية في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. خلال الإطار الزمني نفسه، يتم تمثيل مواطني الاتحاد الأوروبي على نطاق واسع – من قبل السياسيين والمصادر الإعلامية واستطلاعات الرأي – على أنهم يخشون فقدان السيطرة على الحدود الوطنية والاتحاد الأوروبي. وعلى الرغم من تكثيف أمن حدود الاتحاد الأوروبي مع تداعياته العنيفة الواضحة، يتم تصوير مواطني الاتحاد الأوروبي على أنهم «أغلبية مهددة».

تثير هذه الديناميكيات السؤال التالي: لماذا يبدو أن إجراءات الأمن والجدران الرادعة الأكثر صرامة أدت إلى زيادة المخاوف الحدودية بين مواطني الاتحاد الأوروبي بدلاً من تقليصها؟ في حين أن الشعار الشعبوي المتمثل في «استعادة السيطرة» يهدف إلى التحدث نيابة عن مواطني الاتحاد الأوروبي، إلا أنه لا يُعرف الكثير عن مدى تنوع مواطني الاتحاد الأوروبي في تصور وفهم ما يسمى ب «الأزمة». ومع ذلك، إذا تم بناء المعاني الاجتماعية والثقافية ل «الهجرة» و«أمن الحدود» على أساس موضوعي ومتنازع عليه سياسياً، فإن مواطني الاتحاد الأوروبي – وكذلك النخب الحكومية والأشخاص المتنقلين – يكونون مهمين في تشكيل الأطر المهيمنة والاستجابات ل «الأزمة».

يشير هذا الكتاب إلى أنه من أجل معالجة اللغز، لا بد من إجراء تحول مفاهيمي ومنهجي في الطريقة التي يتم بها فهم أمن الحدود: ثمة حاجة ماسة إلى نهج جديد يكمل التحليلات «من الأعلى إلى الأسفل» للممارسات الحكومية النخبوية مع دراسات «من الأسفل إلى الأعلى» لكيفية إعادة إنتاج هذه الممارسات والتنازع عليها في الحياة اليومية.

الصورة

زيادة الهجرات

رغم وجود تاريخ طويل من التحرك السكاني عبر البحر الأبيض المتوسط، إلا أن عدد المهاجرين بالقوارب إلى الاتحاد الأوروبي زاد بشكل كبير بعد ما يسمى ب «الربيع العربي» في عام 2011، ووصل إلى مستويات غير مسبوقة في عام 2015. كما أن الوفيات في البحر في الطريق إلى الاتحاد الأوروبي ليست ظاهرة جديدة أيضاً، ولكن الفترة من 2010 إلى 2016 شهدت زيادات حادة على أساس سنوي.

 يقول المؤلف عن ذلك: «من المعروف أن البيانات المتعلقة بالوصول والوفيات عن طريق البحر غير موثوقة، وغالباً ما تعكس أوجه القصور المنهجية والافتراضات الإشكالية حول هويات ونوايا الأشخاص المتنقلين. خلال عام 2015، قدر مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أن أكثر من مليون شخص وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي دون إذن مسبق. وكان معظم الوافدين من سوريا وأفغانستان والعراق، حيث فروا من نزاعات دولية كبرى مطولة، سافروا بداية عبر الطرق البحرية إلى اليونان (851329) وإيطاليا (152700) وإسبانيا (3592) ومالطا (105)؛ وتشير التقديرات إلى أن 34000 آخرين قد عبروا من تركيا إلى بلغاريا عبر الطرق البرية. وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، في عام 2015، لم يصل 3784 شخصاً على الأقل إلى الاتحاد الأوروبي وتم توثيقهم على أنهم ماتوا أو فُقدوا في البحر الأبيض المتوسط. وقع أكبر عدد من الوفيات في سياق حادثة واحدة وهي يوم السبت الواقع في 18 إبريل 2015. انقلبت سفينة مكتظة هجرها المهربون المشتبه بهم في المياه الليبية على بعد حوالي 180 كيلومتراً جنوب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية. من بين أكثر من 700 راكب كانوا على متنها، نجا 50 فقط».

ويضيف المؤلف: «بحلول إبريل 2015، بدأت مفوضية الاتحاد الأوروبي في الحديث عن زيادة عدد الوافدين عبر البحر والوفيات على شواطئ الدول الأعضاء في البحر الأبيض المتوسط بالإشارة إلى ما يسمى ب «أزمة الهجرة» التي تواجه الاتحاد الأوروبي ككل. منذ ذلك الحين، أصبحت رواية «الأزمة» هذه مترسخة في الخيال السياسي المهيمن لديناميكيات الهجرة في سياق الاتحاد الأوروبي المعاصر. على خلفية هذه «الأزمة» المزعومة، كان الرد الحكومي الأساسي هو التحول إلى أمن الحدود كنموذج شامل للسياسة – يُفهم على نطاق واسع في هذه الدراسة على أنه أسلوب لتنظيم العلاقة بين السكان والدول من خلال محاولة تحديد وتصنيف وإدارة التنقل البشري – سواء داخل الحدود الإقليمية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أو في الخارج في الدول الثالثة المجاورة.

ويرى المؤلف أنه على الرغم من أن مفوضية الاتحاد الأوروبي أعربت مراراً وتكراراً عن اهتمامها الإنساني بآلاف الأشخاص الذين فقدوا حياتهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، لكن ترافق ذلك مع سلسلة من الروايات والممارسات التعويضية. كان هناك تشابك سياسي حيوي معقد بين إضفاء الطابع الأمني على الهجرة وإضفاء الطابع الإنساني على أمن الحدود سابقاً لما يسمى ب «أزمة الهجرة» لعام 2015 في سياق الاتحاد الأوروبي. بمناسبة استمرار هذه الديناميكيات، فإن «أجندة الهجرة» لعام 2015 – مع تركيزها على تعطيل شبكات التهريب، وإدخال نهج «النقاط الساخنة» الجديدة، وعسكرة فضاء البحر الأبيض المتوسط، شددت النهج «الرادع» تحت الشعار الإنساني «إنقاذ الأرواح». في الوقت نفسه، شيدت الحكومات الوطنية لعشر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي جدراناً وأسواراً حدودية مادية تمتد إلى أكثر من ألف كيلومتر من الحواجز كاستجابة مباشرة ل«التهديد» المتصور للهجرة غير المصرح بها إلى الاتحاد الأوروبي. علاوة على ذلك، بين عامي 2015 و2017، تم تعليق اتفاقية شنغن – التي تسمح بالتدفق الحر للأفراد والخدمات والسلع بين الدول الأعضاء في شنغن – وأعيد إدخال الضوابط المادية في عشرين مناسبة بموجب تدابير الطوارئ المصممة للتعامل مع تدفقات الهجرة «الاستثنائية». لهذه الأسباب، وتحدياً للتنبؤات العلمية لكل من «عالم بلا حدود» والمزاعم حول التذبذب المعاصر للحدود، فسر العديد من المعلقين استجابة الاتحاد الأوروبي لزيادة عدد الوافدين والوفيات على أنها تنذر بظهور عهد جديد.

الصورة

مخاوف حدودية

يُصوَّر مواطنو الاتحاد الأوروبي على نطاق واسع على أنهم «أغلبية مهددة» تشهد مستويات غير مسبوقة مما يمكن أن نسميه مخاوف الحدود. في المقابل، أوقدت هذه المخاوف وأذكتها الحركات السياسية الشعبوية مع الخطاب المؤيد للقيود الحدودية والمناهض للهجرة. على خلفية مجموعة متصورة من «الأزمات» الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، عرفت هذه الحركات بشكل متزايد مناقشات السياسة العامة حول مستقبل الهجرة والحدود والحوكمة الأمنية في سياسات الاتحاد الأوروبي إلى جانب أصولها المحددة في حملة «تأييد المغادرة» أثناء استفتاء المملكة المتحدة لعام 2016 على عضوية الاتحاد الأوروبي، اكتسب شعار «استعادة السيطرة» على الحدود قوة جذب واسعة عبر القارة من لندن إلى بودابست، وشكلت نقطة الانطلاق لمناقشات صنع السياسة في الاتحاد الأوروبي. في استراتيجيتها العالمية لعام 2016، على سبيل المثال، زعمت مفوضية الاتحاد الأوروبي أن هناك «إجماعاً قوياً» بين مواطني الاتحاد الأوروبي وحكومات الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ومؤسسات الاتحاد الأوروبي على الحاجة إلى «أمن حدودي أكثر صرامة».

يوضح المؤلف أن المخاطر السياسية والأخلاقية لهذا الموقف – بالنسبة لهؤلاء الفاعلين، والأشخاص المتنقلين، ومستقبل الاتحاد الأوروبي – مرتفعة للغاية في الواقع، حيث تم إضفاء الشرعية على زيادة التعرض للعنف في الطريق وحدوث الوفيات في البحر جراء أمن الحدود الرادع الأكثر صرامة من قبل الجهات الفاعلة الحكومية في الاتحاد الأوروبي باسم مواطني الاتحاد الأوروبي القلقين بشكل متزايد. وبهذا الشكل، فإن الديناميكيات المتناقضة على ما يبدو والتي تم تلخيصها أعلاه تشكل لغزاً بحثياً، ظهر لا سيما في عام 2015 وما تلاه مباشرة، في مجال أمن الحدود الأوروبية وحوكمة الهجرة، أي: لماذا يبدو أن تكثيف أمن الحدود في الاتحاد الأوروبي قد أدى إلى زيادة المخاوف الحدودية بين مواطني الاتحاد الأوروبي بدلاً من تقليصها؟

يرى الكاتب أن هناك حاجة إلى تحول مفاهيمي ومنهجي في الطريقة التي تتم بها دراسة السياسات المعاصرة لأمن الحدود في الاتحاد الأوروبي: لابد من معاينة الروايات النخبوية «من الأعلى إلى الأسفل» مع إجراء تحقيقات «من الأسفل إلى الأعلى» حول كيفية إعادة إنتاج هذه السرديات والتنازع عليها من قبل مواطني الاتحاد الأوروبي في الحياة اليومية. يسعى هذا الكتاب إلى تطوير وتطبيق هذا الأسلوب كنهج «عام» لأمن الحدود؛ نهج يحمل وعداً ليس فقط من أجل فهم أفضل للعلاقة بين أمن الحدود على المستوى الكلي للدولة القومية والمخاوف الحدودية على المستوى الجزئي للمواطن في سياق الاتحاد الأوروبي المعاصر، ولكن أيضاً في نهاية المطاف لتحدي روايات مرتبطة بإطار «الأزمة» وإيجاد طرق بديلة موجودة للعيش مع الغرباء.

سياسات بديلة

يرى المؤلف أن ثمة حاجة إلى دراسة موسعة لوجهات النظر والتجارب السياسية لمواطني الاتحاد الأوروبي في سياق تلك «الأزمة» والتي لا يزال الأمن الحدودي الرادع الأكثر صرامة يلقى تبريراً من جانب مجموعة من الفاعلين النخبويين. ويعلق على ذلك: «في حين أن هناك زعماً بأن السياسة الشعبوية المتمثلة في «استعادة السيطرة على الحدود» تتحدث نيابة عن مواطني الاتحاد الأوروبي، لا يُعرف نسبياً عن مدى تنوع مواطني الاتحاد الأوروبي في تصور وفهم «أزمة 2015»، وحتى التحدث عنها باستخدام كلماتهم الخاصة وفي سياق حياتهم اليومية. ومع ذلك، إذا كان أداء ومشهد الأزمات الاجتماعية والسياسية يعتمد على نجاحها في تصوير الحقائق المعقدة بطرق بسيطة وعاطفية، فإن التحليل المستمر «للتجربة الحية» لمواطني الاتحاد الأوروبي لما يسمى ب«أزمة الهجرة» في الاتحاد الأوروبي لعام 2015 يتمتع بأهمية قصوى».

يقول الكاتب: «يعيد المواطنون تفسير روايات النخبة عن الأزمات، أو إعادة توظيفها، والمنافسة عليها، وتعطيلها أو رفضها. بهذه الطريقة، يسعى المؤلف في هذه الدراسة إلى تجنب الوقوع في فخ الرؤية الشعبية كسياق معياري محدد؛ فهي ليست مساحة للمقاومة ومجالاً مؤمناً بالكامل. تتمثل إحدى الحجج المركزية للكتاب في أنه من خلال الاستماع بعناية إلى السرديات الشعبية ل«الأزمة» بين مواطني الاتحاد الأوروبي، من الممكن استعادة هذا الفارق الدقيق المهم، والذي ضاع بخلاف ذلك في المعالجات الحالية لمواقف المواطنين تجاه الهجرة وأمن الحدود في الاتحاد الأوروبي. هذا الفارق الدقيق مهم سياسياً على وجه التحديد لأنه، كما نوقش أعلاه، تم إنتاج «الجمهور» بشكل عملي واستجوابه من قبل جهات نخبوية فاعلة باعتباره يطالب دائماً بأمن حدود رادع أكثر صرامة إلى الحد الذي يبدو أنه لا يوجد بديل لهذا النموذج الذاتي المنغلق. ويرى أنه عند التركيز على شخصية مواطن الاتحاد الأوروبي، من الضروري أن نلاحظ، مع ذلك، أن المناقشة لا تسعى إلى إنكار الفاعلية السياسية أو وجهات النظر والتجارب الذاتية للأشخاص المتنقلين في تشكيل معالم تلك «الأزمة».

يسعى هذا العمل الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد 2023 إلى استعادة وتضخيم أصوات مجموعات متنوعة من غير المواطنين الذين تستهدفهم ممارسات أمن الحدود في الاتحاد الأوروبي في التحريض على مثل هذه الممارسات وتفكيكها. ومع ذلك، هناك حاجة إلى خطوة أخرى إذا كان الباحثون الناقدون للهجرة وأمن الحدود يهدفون إلى تحدي الافتراض السائد في مناقشات سياسة الاتحاد الأوروبي بأنه لا يوجد «بديل» لأمن الحدود الرادع الأكثر صرامة على أساس الحجة الشعبوية القائلة بأن هذا هو ما يدعمه «شعب» الاتحاد الأوروبي بشكل ثابت. يرى المؤلف أن الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية وتجارب «الأذى المكاني» الناتج عن التفكك بين الهوية والمكان أمر شائع بين غير المواطنين والمواطنين على حد سواء، وعلى هذا الأساس، ينبغي النظر إلى استعادة أصوات مختلف مواطني الاتحاد الأوروبي على أنها مكملة لأصوات أولئك المتنقلين بدلاً من منافستها؛ يمكن اعتبار كليهما جزءاً من انعطاف عام أوسع في دراسة أمن الحدود.

Exit mobile version