Site icon العربي الموحد الإخبارية

قصص مُخبأة في حقيبةٍ نسائيةٍ

موسى الزعيم

في المجموعة القصصية “حقيبة نسائية” تأخذ الكاتبة ديما مصطفى سكران القصة القصيرة لتدخلها متاهات السرد من خلال حقيبة نسائية، تكشف ما تحويه من أشياء وتفاصيل، تبدو للوهلة الأولى أنّها عاديّة جداً، لابل إنها حكايات من الحياة اليومية الروتينية لامرأة ما.

 لكنّ لهذه الحقيبة خصوصيتها لارتباط محتوياتها الصغيرة بقصص وحكايا مخزونة في  ذات امرأة مرّت بتجارب مختلفة حسب سياقات الحياة، ولعل كلمة “حقيبة أو حقيبتها” عبرت متن القصص أكثر من مرّة وفي أكثر من قصة، بل أحياناً كانت تتحرك القصص من داخل تلك الحقيبة، تعالج ذلك من زاوية ارتباط المرأة بحقيبتها ليس كقطع اكسسوار فحسب، بل إنها جزء مترع بالخصوصية، من هنا يأتي جمالية العنوان  باعتبار أنّ الكاتبة لم تنسب القصص مباشرة للمرأة وإنما لأحد مقتنياتها، وبالتالي ما يخص المرأة هنا صار يعامل على أنه قطعة.

 من جهة ثانية يبدو أن اختيار اللون الزهري كأرضية للغلاف، في وسطه حقيبة امرأة تحتوي على كل ما هو عصري، جاء ذلك كدلالة، صارخة عما بين دفتي الكتاب.

 ضمّت المجموعة عشرين قصة قصيرة، كانت المرأة في أغلبها هي الراوي، المرأة بكلّ تجليتاها وعلاقتها بالأشياء المحيطة من جهة الأم، المرأة العاملة، العاشقة، المُحبطة، المرأة المثقفة، الصحفية الراصدة للواقع، المرأة المعتدّة بخبرتها، يمكن اختصار تلك المتوالية من خلال علاقة المرأة وحساسيتها العالية بالقضايا والأشياء القريبة منها.

تعيد الكاتبة تفكيك وصياغة علاقة المرأة بذاتها وبمحيطها ومحتوياته مثل “شعرها، لباسها، زوجها، بيتها ،شهادتها الجامعية.. ” هذه الأشياء لم تتوقف الكاتبة عندها “كوصف” وإنما كانت الأشياء فاعلة في صنع الحدث  وانعكاس ذلك على الحالة النفسية والعالم بها، المحيط من خلالها تعيد انتاج أفكارها وتتصالح مع ذاتها.

يلمح القارئ ذلك بوضوح من خلال عناوين القصص  “البيت، اللوالب الملعونة، رائحة الغسيل، حقيبة نسائية، زر المعطف الضائع، ماكينة التوست، مرطبان فراولة، بقعة ماء هاربة”

 تضع  المرأة ذاتها في القصص كمقياس لردود الفعل من زاويا مختلفة، على صعيد ثورتين الأولى على صمتها والثانية على المجتمع المحيط، فضياع “زر معطف “قد يكون قضية كبرى لأمرأة سعى زوجها لأن تنعم بالرفاهية والاستقرار، يتحول الأمر إلى أزمة نفسيّة تُطرح من خلالها عدّة قضايا ” فما يبدو (لهُ) تافهاً، يبدو (لها) مصيريّا”

“مُنذر لا يملكُ من أجلي حتى نصفَ دقيقة صبرٍ، فأنا مُطالبة دوماً بقول عبارات منطقيّة … كم هي سخيفة تلك المرأة التي تعكّر جوّ السهرة  مع الأصدقاء من أجل زر معطف ضائع.. كررها.. عدّة مرّات فيما يشبه الصراخ والتهكم ..”

 تتكرر خيباتها عند الطبيب النفسي، فقد توقعت أن تجلس على ” الشيز لونج” مع أضواء خافتة، الطبيب يحمل ورقة وقلماً، يحرضها على البوح “زارت طبيبين و خاب أملها بين الصورة المصدّرة عن الطبيب النفسّي والواقع” من أجل زر معطف“!

 يظهر هذا الانكسار في قصّة ” قصيدةٍ عفنة ” حيث تحبّ صباح رجلاً ” لمجرّد أنّه شاعر، يتقن عبارات الغزل، لكنها تُصدَم به بعد الزواج  إذ كان فوضوياً، غارقاً في أحلام شهرتهِ وتبديل جواربهِ أكثر من سبع مرّات في اليوم، بينما تكبر بقعة الفعن في سقفِ البيت منذرةً بانحدار العلاقة بين “صباح وشاعرها” إذ لم “يُصلح الشعر ما أفسدته الجوارب”.

أنسة الأشياء في محيط المرأة

في القصص تتعدد صور النساء وتختلف معاناتهن عبر مساحة اقتنصتها الكاتبة من زوايا متعددة للحياة، فالفقد والحرمان من نصيب امرأة صنعت رجل ثلج ليؤنس وحدتها، لكنه تلاشى، تؤنسن الكاتبة رجل الثلج من خلال سماعه لحديث المرأة، بينما في قصة “البيت” ترصد القصة العلاقة الحميمة بين المرأة ومملكتها، هذه العلاقة من وجهة نظر “البيت” راوي الأحداث والذي يستشعر الفرق بين امرأة مُهملة وأخرى مرتبة حريصة على كلّ تفصيلة فيه.

 البيت يغدو عامراً بالجمال على يديها، لكن جزئية صغيرة تعبث بكل ذلك الجمال، حين يحمل الزوج انبه المريض ويغادر غاضباً، تصير الجدران صماء، لا طعم لحياة امرأة دون وجود أسرتها فيه.

 من جهة أخرى تنشغل عين الراوية في القصص  بالوصف الدقيق للتفاصيل الصغيرة والتي يمكن التعبير عنها ” ما يخص المرأة” أي أنّ عين المرأة لا يمكن أن تتجاوزها ” كخصلة الشعر الجافة، ونظافة السجادة، والمزهرية الموضوعة على الطاولة، الرموش الصناعية، رائحة الملابس، طقطقات قطرات الماء، حركة اليدين وارتعاش الشفتين، بالإضافة إلى ذلك ما يتعلق بالحالة النفسية من قلق وتوتر ولا يخلوا الأمر من مؤامرات بريئة..

في حين تنفرد قصّة الجاسوس بين قصص المجموعة بأنها الأطول، وقد جاءت في 45 صفحة وقد اتخذت من الثورة السورية مضموناً لها من خلال معالجتها لانحياز بعض أصحاب النفوس الدنيئة واستغلالهم الثورة لتحقق مآربهم الخاصّة حتى ولو على حساب دم ذويهم.

بينما جاءت قصة “الفأر” في موضوع مختلف تماماً  ” الفأر” دعوة لربط التفكير بالعمل والابتعاد عن لغة الأحلام وخلق لغة جديدة مضادة تُقلق السائدَ، إنها دعوة للقفز خارج الصندوق وبالتالي احتمالات النجاة مفتوحة.

تأتي لغة المجموعة القصصية حقيبة امرأة سهلة بسيطة بعيدة عن التعقيد، قريبة من لغة الحياة اليومية المباشرة، وقد كانت مشغولة بالتصور الحسيّ الدقيق المعبّر عن جوانيّة المرأة ودواخلها حتى ولو كانت ترصد تفاصيل حيادية بين رجل وزوجته كما حدث في قصّة ” عشر دقائق في القطار” كانت الراوية تستشعر بحدثها الأنثوي ما يقوله الزوج لزوجته ما يغضبها، وما يسعدها، من خلال رصد تعابير وجهها فهي كانت تروي ما تريد  قوله وسماعه في ذات الوقت.

مع ذلك لم تكن المرأة في قصص  المجموعة كائناً ضعيفا، ففي غالب الأحيان كانت  تتخذ المبادرة  لتعيد قرارها لذاتها.

تقع المجموعة  207 صفحات من القطع المتوسط وقد صدرت عن دار الديوان في الكويت2022  

*ديمة مصطفى سكران / كاتبة سورية مقيمة في برلين

.

أخبار متنوعةشهرزاد تروي حكاوي الكوكبقراءة في رواية (الموتى يُلقونَ النُكات)لماذا يستعيرُ الألمان لسانَنا ؟أوراق طبيب سودانيّ مُقيم في برلينرواية  اسمي زيزفونجسور متأرجحةحين يَغمره الفرح مُتأخراً

Exit mobile version