Site icon العربي الموحد الإخبارية

“الفراشة” أميليا.. 15 رقما قياسيا في عالم الطيران ونهاية غامضة

ما بين الأرقام القياسية والنهاية الغامضة، تظل “أميليا إيرهارت” واحدة من أهم الشخصيات التي حجزت لنفسها مكانة كبيرة بين الرواد والعظماء في عالم الطيران.
من فتاة بسيطة إلى امرأة غيرت المفاهيم في عالم الطيران، عاشت “أميليا” حياة مليئة بالصعاب والتحدي والتغيّرات، صنعت منها أسطورة لا يزال العالم يتحدث عنها وعن إنجازاتها حتى الآن.89 عاما مرت على أحد أهم أرقامها التاريخية، عندما أصبحت أول امرأة تطير منفردة عبر المحيط الأطلسي من الولايات المتحدة.ما قصتها؟”أميليا إيرهارت”، فتاة أمريكية، ولدت في يوليو/تموز من عام 1897، وتوفت في ظرف غامض في 2 يوليو/تموز من عام 1937.40 عاما فقط عاشتها الفتاة المغامرة، صنعت خلالها أرقاما قياسية في عالم الطيران، لتقتنص عن جدارة واستحقاق لقب “ملكة الهواء”، ولقب “أفضل الطيارين في العالم” حسب وصف صحيفة “بوسطن جلوب” لها.

ولدت “أميليا” في أتشيسون بولاية كنساس الأمريكية، لم تكن مثل باقي الفتيات، فقد صبت اهتمامها على الهوايات والألعاب التي تشغل بال الذكور، فقد كانت تهوى تسلق الأشجار، وتصيد الفئران بالبندقة، وغيرها من الألعاب الخشنة، على العكس كانت البنات في جيلها تهتم بجمع الفراشات والديدان وغيرها من اللعبات التي تناسب طبيعتهن الأنثوية.متى بدأت علاقتها بالطيران؟مثّل عام 1904 تاريخا فارقا في حياة “أميليا”، وتحديدا عندما كان عمرها 7 سنوات، حيث صنعت سلم طائرة يدويا بمساعدة عمها، بعدما رأت المزلجة الحلزونية أثناء رحلتها إلى سانت لويس.”هذا يشبه الطيران” جملة قالتها الطفلة ابنة الـ7 سنوات، لترسل إشارات للعالم من حولها بأن هناك نجمة قادمة في عالم الطيران، صندوق خشبي صنعته أميليا كانت تستخدمه في التزلج، وأثناء التزلج تحطم الصندوق لتخرج الفتاة منه مصابة بكدمات وجروح، لتقول بعدها جملتها التي خلدها التاريخ “هذا يشبه الطيران”.كانت هذه أول رحلة موثقة لـ”أميليا”، صحيح أنها لم تكن رحلة طيران حقيقية، لكنها كانت تشبه الطيران، كما وصفتها الفتاة الصغيرة.

أين شاهدت أول طائرة؟حتى بلوغ سن العاشرة لم تكن “أميليا” شاهدت طائرة في الحقيقة، وكانت ولاية “أيوا” الأمريكية شاهدة على ذلك.المبادرة جاءت من والد “أميليا” الذي شجعها على القيام برحلة داخل الطائرة مع شقيقتها، لكن الغريب أن الفتاة وصفت الرحلة بعد ذلك بأنها “غير ممتعة”.لا يزال الحلم يتكون وينمو داخل الفتاة التي وصلت إلى سن الـ21 عاما، ففي عام 1918، زارت “أميليا”، المعرض الجوي في تورنتو الكندية، وهو معرض لطيران الحرب العالمية الأولى.حالة غريبة شعرت بها “أميليا”، ما بين الخوف والسعادة، عندما اقتربت منها طائرة حمراء عند هبوطها أثناء فعاليات المعرض، مرت اللحظات بسرعة لدى الفتاة، لكنها تركت بداخلها شيئا لم تفهمه وقتها.

من ساعدها على قيادة الطائرة لأول مرة؟”أميليا” التي عرفت بحبها للقراءة والدراسة، والدفاع عن المرأة وحقوقها، وقدرتها على منافسة الرجل في كل المجالات تغيرت حياتها تماما بعد أن قادت الطائرة لأول مرة.ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وتحديدا مدينة لونغ بيتش، كانت شاهدة على أول رحلة طيران حقيقية لـ”أميليا”، قادت فيها الطائرة لدقائق معدودة، وكان ذلك في 28 ديسمبر/كانون الثاني من عام 1920.فقد اصطحب والد “أميليا” ابنته إلى مهبط الطائرات في لونغ بيتش، وهناك التقيا الطيار فرنك هوكس، وهو أحد مشاهير سباقات الطائرات، والذي قدم لـ”أميليا” فرصة عمرها، وعرض عليها ركوب الطائرة وقيادتها، وبتعليمات من فرنك، ارتفعت “أميليا” بالطائرة لمسافة 300 قدم، لمدة 10 دقائق في رحلة تكلفت وقتها 10 دولارات.الحدث كان فارقا في حياة “أميليا”، لتتخذ بعده القرار المهم بتعلم الطيران، لكن واجهتها عقبة تتمثل في توفير المقابل المادي لتعلم الطيران، والذي وصل إلى 1000 دولار وقتها.كيف تعلمت قيادة الطائرات؟عملت “أميليا” في عدد من المهن لتوفر المقابل المادي لدرس الطيران، كما أن والدتها ساعدتها في ذلك، لتبدأ الرحلة من مطار كينر فيلد بالقرب من لونغ بيتش في 3 يناير/كانو الثاني 1921.كانت “أميليا” تسير 6 كيلومترات على قدمها حتى تصل للمطار الذي تحصل فيه على دروس الطيران، لكنها تجاوزت هذه المشقة، من أجل تحقيق حلمها.الطائرة (surplus Curtiss JN-4) “كانوك” هي أول طائرة تدربت عليها “أميليا”، حيث كانت تمتلكها مدربتها أنيتا سنوك، وهي رائد طيران، قضت البطلة 6 أشهر لتعلم الطيران واجهت خلالها الكثير من المصاعب والمشاق، لدرجة أنها تخلت عن شعرها وقامت بقصة لتشبه الرجال.ماذا عن الطائرة “الكناري”؟”الكناري” هو الاسم الذي أطلقته “أميليا” على أول طائرة تمتلكها، والتي اشترتها بعد أن تعلمت الطيران، طائرة “أميليا” كانت مستعملة ولونها أصفر من النوع Kinner Airster.ما الرقم القياسي الأول لها؟بدأت “أميليا” في دخول أجواء الطيران، وخاضت المسيرة لتسجل العديد من الأرقام القياسية، ليكون عام 1922 وتحديدا في 22 أكتوبر/تشرين الأول، شاهدا على تحقيق الرقم القياسي الجديد لسيدة في عالم الطيران، حيث تمكنت أميليا من الطيران بطائرتها 14 ألف قدم أو 4 آلاف و300 متر.الخطوة المهمة كانت في حصول أميليا على رخصة قيادة الطيران من الاتحاد الدولي للطيران، لتصبح السيدة رقم 16 في العالم التي تحصل على هذه الرخصة.هل تعرضت للفشل؟هذه المسيرة تعطلت لفترة قصيرة، بعد أن تعرضت “أميليا” لحالة من الإحباط، بعد فشلها في تحطيم الرقم القياسي للطيران في إحدى المحاولات، حيث سقطت طائرتها من على ارتفاع 910 أمتار، وتحطمت طائرتها “الكناري” ونجت” أميليا” من الحادث.استمرت رحلة صعود “ملكة الهواء” كما وصفت، واشترت طائرتها “الكناري” الثانية، حيث سجلت 500 ساعة طيران بمفردها بحلول عام 1927، دون أي حادث خطير، وهو ما وصفه خبراء الطيران وقتها بالإنجاز العالمي المهم.للمرة الثانية تتعطل رحلة “أميليا” وتطلعاتها نحو تحقيق الإنجازات في مجال الطيران، فلم تكن الأموال التي توفرها من عملها كافية، كما أن ثروة والدتها بدأت تقل تدريجيا، ولم يعد أمامها سوى أن تبيع طائرتها، وكان هذا هو أصعب القرارات في حياة “أسطورة الطيران”.رغم الصعاب والأزمات لم يتسرب اليأس لحياة :”أميليا”، كانت تحاول وتتنقل من عمل لآخر، لتعود لحلم الطيران مرة أخرى، هذه المرة في مدينة ميدفورد بولاية أريغون الأمريكية.مطار دينيسون في ميدفورد، كان شاهدا على مرحلة مهمة في تاريخ “أميليا”، عندما حلقت في رحلة رسمية في عام 1927.لم تكن علاقة “أميليا” بمطار دينيسون (الذي أصبح بعد ذلك محطة سكوانتم الجوية البحرية) علاقة عابرة، فقد كان هناك رابطا قويا بينها وبين المطار، الذي استثمرت فيه مبلغا من المال.الاهتمام يتزايد مع مرور الوقت بـ”نجمة الطيران”، ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن في جميع أنحاء العالم، لتصبح عضوا في جمعية الطيران الأمريكية في بوسطن، ويتم انتخابها لاحقا كنائب للرئيس.هذه الرحلة كانت تحتاج لرأس مال يساعد على استمرارها، فلجأت “أميليا” إلى العمل كمندوبة لمبيعات طائرات Kinner في بوسطن، وكانت تكتب في الصحف للترويج للطيران.ما أهم حدث في حياة أميليا؟إذا كان الطيار الأمريكي تشارلز لندبرغ هو أول من عبر المحيط الأطلسي في رحلة طيران بمفرده في عام 1927، فإن “أميليا إيرهارت” هي أول سيدة تقوم أيضا بهذه المهمة، ليسجل الحدث في التاريخ باسمها.التجربة كانت صعبة، الخوف سيطر على “أميليا”، كان لديها شعور بأنها لن تستطيع القيام بالمهمة وعبور المحيط الأطلسي، لذا فضلت أن ترعى المشروع فقط، على أن تقوم سيدة أخرى بالمهمة.لكن الأقدار شاءت غير ذلك، حينما تم اختيارها لمرافقة الطيار ويلمر ستولتز والطيار الميكانيكي المساعد لويس جوردون في الرحلة كراكبة مع تكليفها بإحدى المهام.لم تكن “أميليا” مقتنعة بما قامت به في رحلتها عبر الأطلسي، والتي انطلقت في 17 يونيو/حزيران من عام 1928، على متن طائرة من طراز Fokker F.VIIb/3m، لذلك عندما وصلت إلى بريطانيا بعد أكثر من 20 ساعة طيران، كانت تصريحاتها صادمة للبعض، عندما قالت، لم أفعل شيئا في الرحلة “كنت مثل باقي الأمتعة”، لكنها وعدت بالقيام بالرحلة بمفردها.بالفعل نجحت “أميليا” في القيام بذلك، واشترت طائرة من طراز Avian 7083، وطارت بها عائدة إلى بلادها، ليتم استقبالها بشكل حافل في الولايات المتحدة، وتكريمها في البيت الأبيض من قبل الرئيس الأمريكي كالفين كوليدج.هذه الرحلة صنعت الفارق في حياة “أميليا”، حيث ذاع صيتها، وبدأت المشاركة في حملات إعلانية وترويجية للعديد من الماركات، وأصبحت ضيفا دائما في العديد من الصحف والمجلات وألفت كتابا يجمل قصتها، بالإضافة إلى إلقاء العديد من المحاضرات، وهو ما ساعدها في تمويل رحلاتها الجوية.ما الأرقام القياسية الأخرى؟أحلام الأرقام القياسية لم تغادر مخيلة “أميليا إيرهارت”، أشهر قليلة مرت على رحلة الأطلسي، لتستعد “ملكة الهواء” لتسجيل الرقم القياسي الجديد في أغسطس/آب من عام 1928، هذه المرة، طارت في أول رحلة طويلة منفردة عبر قارة أمريكا الشمالية.لم تتوقف “أميليا” عند هذا الحد، فقد سجلت طوال تاريخها ما يقرب من 15 رقما قياسيا باسمها في عالم الطيران.في عام 1929 حصلت “أميليا” على المركز الثالث في أول سباق طيران للنساء من سانتا مونيكا إلى كليفلاند، وكانت أميليا قريبة من المركز الأول إلا أنها أضاعت بعض الوقت في بداية السباق عندما توقفت لمساعدة صديقتها روث نيكولز التي تحطمت طائرتها على مدرج الطيران، لتعاود الطيران بعد ذلك بعد أن تأكدت من سلامة صديقتها.الطائرة أوتوجبرو Pitcairn PCA-2 كانت شاهدة على تسجيل الرقم القياسي الجديد لـ”أميليا”، وكان ذلك في عام 1930، حيث حلقت على ارتفاع 18 ألفا و415 قدما، نحو 5 آلاف و613 مترا.ماذا عن الرحلات الفردية التي سجلتها؟وكأنها كانت تسابق الزمن، أو بمعنى أدق كانت تسعى لتحقيق كل الأرقام قبل النهاية التي أصبحت قريبة، في 21 مايو/أيار من عام 1932، وتحديدا عندما كان عمر “أميليا” 34 عاما، قررت الفراشة -وهو أحد ألقابها- أن تخوض مغامرة جديدة، لتناطح الرجال في أرقامهم، وتثبت أن عالم الطيران ليس حكرا على الذكور فقط.رحلة جديدة ومختلفة، كانت وجهتها باريس إلا أن الظروف الجوية السيئة أثناء الرحلة جعلتها تهبط في مراعي أيرلندا الشمالية، بعد أن استغرقت نحو 15 ساعة في السماء بطائرتها ذات المحرك الواحد Lockheed Vega 5b.نجاحات منقطعة النظير سجلتها “أميليا إيربهارت”، وجاء الموعد مع رحلة فريدة أخرى، وكان ذلك في 11 يناير/كانون الثاني من عام 1935، حيث نجحت في مهمة فشل فيها عدد كبير من الطيارين، حيث أصبحت أول شخص يطير منفردا من هونولولو بهاواي إلى أوكلاند بولاية بكاليفورنيا.لم تكن هذه هي المرة الوحيدة، قد تلتها تجربة أخرى، من لوس أنجلوس وحتى مكسيكو سيتي، طارت خلالها “أميليا” في رحلة منفردة، وكان ذلك في 19 أبريل/نيسان من عام 1935.لم تستطع أي حواجز أو عوائق اعتراض طموحات وأحلام نجمة الطيران الأولى في العالم، والأكثر مهارة وتحكما في الطائرات كما وصفها الخبراء، لتسجل رحلة أخرى منفرد في 8 مايو/أيار من 1935، وكانت وجهتها إلى نيوارك.كيف كانت النهاية؟مسيرة عظيمة، لم تكتمل، بل كانت نهايتها مأساوية وغامضة، مع الطائرة Lockheed L-10E Electra والتي قامت بها بأطول رحلة دوران حول العالم، إلا أنها لم تكتمل,الرحلة التي كانت تبلغ 47 ألف كيلومتر، رافق خلالها “أميليا”، الملاح فريد نونان.في 1 يونيو/حزيران، من عام 1937 غادرت “أميليا” بلادها للأبد، وانطلقت من ميامي بطائرتها، وخلال الرحلة التي مرت فيها فوق أمريكا الجنوبية وأفريقيا وشبه القارة الهندية، قطعت نحو 35 ألف كيلومتر، ولم يتبق سوى 7 آلاف، كلها فوق المحيط الهادي، إلا أنها لم تكتمل بعد أن انقطع الاتصال مع “أميليا” بالقرب من جزيرة هولاند في 2 يوليو/تموز 1937.رحلت “أميليا” أو “النجمة المفقودة” كما لقبت، بعد حياة حافلة بالإنجازات، اختفت من المشهد وخلفت إرثا كبيرا في عالم الطيران، ولغزا لا يزال يحير العالم حتى الآن بسبب ما حدث في رحلتها الأخيرة.كثرت الروايات والشائعات حول وفاتها، وعن سبب تحطم الطائرة، إلا أن الحقيقة المؤكدة هي أن فارقت الحياة، وتركت عالمنا، لذلك تم الإعلان عن وفاتها في عام 5 يناير/كانون الثاني من عام 1939.رحلت “أميليا إيرهارت” بجسدها، لكن ذكراها موجودة بإنجازاتها التاريخية، رحلت وتركت إرثا، فهنا طوابع تذكارية تحمل اسم “أميليا إيرهارت”، وهناك تجد متحفا يحمل اسمها، وفي مدينة أخرى تجد مطارا اسمه “أميليا إيرهارت”، ليس هذا فحسب فهناك الجوائز والجسور والمدارس والفنادق والشوارع والمؤسسات والمهرجانات، وغيرها كلها زينت باسم “أروع امرأة في أمريكا” -لقبت به في أكتوبر 1932- أميليا إيرهارت.

Exit mobile version