Site icon العربي الموحد الإخبارية

مدينة وزان.. دار الصوف و”الصوفية” في المغرب

على ربوة مُخضرة، بمقدمة جبال الريف بالمغرب، بين مدن فاس ومكناس وغير بعيد عن طنجة وتطوان، تقع مدينة وزان، أرض حياكة الصوف ومقصد الصوفية.
بوزان، تجد التسامح والتعايش الديني، وتقف على جمال الطبيعة مع كرم الضيافة، ولن تُغادرها إلا بعد اقتنائك للجلباب الوزاني التقليدي الذي يقيك برودة الثلج، ويُمتعك بمظهر أنيق.خلاف التاريخلم يتفق المؤرخون حول الأصل في تسمية مدينة وزان، أو السياق المضبوط لتأسيسها، إذ تتعدد الروايات والأحداث التاريخية التي تُنسب إليها المدينة.فمن الناس من يتداول، شفهياً، رواية تقول إن المدينة نشأت في عهد الرومان، مُستدلين في ذلك بموقعها الجغرافي الواقع بين طنجة ومدينة وليلي الرومانية التاريخية.

ومن المُؤرخين من يقول إن تأسيس المدينة يرجع للعهد الأموي، أي في القرن الثاني للهجرة، الذي يوافقه الثامن للميلاد. مُعززين اتجاههم بكون مئذنة المسجد الأعظم لمدينة وزان، وضعها موسى بن نصير، الذي فتح شمال إفريقيا.

أما ثالث الروايات التي تُخمن تاريخ تأسيس مدينة وزان المغربية، يعود للقرن العاشر للهجرة، وأنشئت بعد توافد مريدي إحدى الطرق الصوفية التي اتخذ شيخها من المدينة مستقراً لزاويته آنذاك. قبل أن تعرف اتساعاً حضارياً وعُمرانياً وثقافياً.اختلاف الروايات التاريخية، يُحيل إلى العمق التاريخي للمدينة، وعراقتها الحضارية، وهُنا يبرز الطرح الثالث، الذي يُجمع بين كُل هذه الفرضيات، وتقر بصحتها، مُؤكدة أن كُل سياق مما يُتداول شفهيا، أو دون في الكُتب، ما هو إلا جُزء أو حقبة من تاريخ كبير لهذه المدينة الصغيرة.أسماء متعددةخلاف التاريخ والتأسيس، يمتد ليشمل أصل الإسم ومعناه، لتتعدد تأويلات المؤرخين لسبب التسمية، بتعدد الفرضيات حول سياق تأسيس المدينة.فالرواية التاريخية التي تربط المدينة بالرومان، تقول إن وزان أطلقت على المدينة، نسبة لأحد أباطرة الرومان، الذي كان يحمل اسم أوزينوس، ليُحرف اسمه مع كثرة التداول ويصير “وزان”.

آخرون، ينسبون المدينة إلى شخص كان يُسمى عبد السلام، يحترف مهنة وزن بضائع التجار والقوافل القادمة للمدينة بغرض التجارة، أو التي تمر منها نحو طنجة أو فاس.الوزان، لقب الذي حملته المدينة فيما بعد، نظرا لكثرة تداوله، خاصة لدى القوافل التي حملته إلى قبائلها ودولها.رواية ثالثة، تقول إن الأصل في تسمية المدينة، هو واد قريب منها يُسمى “واد الزين”، وتعني وادي الجمال، وهو الإسم الذي تفترض الرواية تحوله مع كثرة النطق والتداول إلى كلمة “وزان”.وللمدينة أسماء أخرى، كـ”باريس الصغيرة”، أو “المدينة الحصينة”، إلا أن أهلها يحلو لهم تسميتها بـ”دار الضمانة”، وتعني المنزل أو المكان الآمن.

صوف وصوفيةيقترن ذكر مدينة وزان بـصناعة الصوف واحتضانها لعدد من الزوايا الصوفية، وعلى رأسها الطريقة الوزانية التي تشتهر بها المدينة.وفي حي القشريين، يجتمع حرفيوا غزل الصوف، حيث تتم صناعة هذه المادة الأولية التقليدية بعناية كبيرة، قبل أن تُستخرج منها العديد من التصاميم المُبهرة.وتُعتبر “الخرقة”، كما يُطلق عليها محلياً، أهم المنتجات الصوفية في المدينة، والتي هي عبارة عن ثوب منسوج من الصوف، يوجه بالأساس لخياطة الجلاليب المعروفة بسخونتها الكبيرة.وتعتبر الجلابة الوزانية واحدة من الأزياء المغربية الشهيرة في المغرب، والتي زاد من شهرتها تطويرها وتجديد تصاميمها من طرف مصممين مغاربة وعالميين.كما تمتاز وزان بالحرف التقليدية المتعددة، منها طرق الحديد والنجارة والخراطة وتسمى بها بعض أحيائها (الحدادين والخراطين وسوق الحايك).وللمدينة إشعاع ديني كبير، يغلب عليه الطابع الصوفي، خاصة لاحتضانها لموسم مولاي عبد الله الشريف وملتقيات دولية حول التصوف والسماع الصوفي.كما تحتضن المدينة العديد من الأضرحة التي دُفن بها شيوخ وصوفيون، كمولاي عبد الله الشريف، ومولاي التهامي، وهي الأماكن التي تعد مقصداً لعشاق السياحة الدينية والتصوف.ملاذ اليهودتوصيفها بـ”دار الضمانة” أو “المنزل الآمن”، لم يأت من فراغ، إذ كانت المدينة مقصد كُل مُضطهد، أو راغب في الانزواء والتعبد بعيداً عن صخب المُدن آنذاك.وزان، كانت ملاذاً أيضاً لليهود الذين هربوا من بطش الأندلسيين في النصف الثاني من القرن الرابع عشر للميلاد. إذ استقروا أساسا في حي الملاح الذي يعرف اليوم باسم “ببياضة”.هذا الحي، يحتفظ بالكثير من الذكريات والخصائص المعمارية التي تبناها يهود الأندلس آنذاك، بما فيها الكنيس اليهودي الذي يعتبر أقدم المعابد اليهودية بشمال المغرب.وإلى جانب مقامات لرجال دين وعلماء مسلمين، في وزان أيضاً مقامات لعلماء يهود، أشهرهم الحاخام عمران بن داويد، وهو يهودي مغربي عرف بتقواه وضبطه الكبير لعلوم الدين اليهودي.ويحج للمدينة عشرات الآلاف من اليهود لإحياء موسم الهيلولة في ضريح عمران بن داويد، والذي يمتد على مدى أسبوع كامل، يُحيي فيه اليهود ذكرى الصالح المدفون بالمدينة، ويُقيمون الصلوات والاحتفالات.

Exit mobile version